فتح الباب لمغلقات هذا الكتاب - صفحه 72

الموت ، وكذلك هما مطلوبتان؛ لرغبة العاقل إليهما ، فمن طلب الآخرة كانت الدنيا أيضا له؛ لأنّها تطلبه لاستيفاء الرزق ، ومَنْ طلب الدنيا للدنيا ليست له دنيا ولا آخرة؛ لأنّه إذا طلب الدنيا لأجل الدنيا، شغل بأمرها، وترك أمر الآخرة؛ إذ الدنيا والآخرة اُختان ولاتجتمع بين الاُختين .
والأخبار التي وردت في ذلك كثيرة مشهورة ۱ لا تحتاج إلى البيان ، فحينئذٍ يأتيه الموت، فيفسد دنياه وآخرته .
وهذا كمثل شابٍّ سافَرَ إلى بلدة فيها ملك له جارية وثنيّة ذات حسن ولطافة ، وله أيضا بنت جميلة مؤمنة ، لها صباحة وملاحة ، فسرَّ الملك برؤيته ، وأمر الجارية بالقيام لخدمته ، وأراد أن يزوّجه بابنته ، فلمّا قامت الجارية بالخدمة ، رأى الشابّ نخلة قامتها ، وفتنته ذوابتها ولطافة شفتيها . وغمزة عينيها ، وجد في قلبه لها ميلاً كثيرا ، وصار في قيد حبّها أسيرا ، فرغب في مواصلتها ، وطلب منها مقاربتها ، فقالت الجارية له : لن تنال وصلي إلّا بنكاح الدوام ، وعبادتك للأصنام ، فصار متحيِّرا في ذلك ، حتّى سمع من خواصّ الملك صفة البنت وصفاءها ، وحسنها وبهاءها ، فالتهبت نار عشقها في باله ، وتمكَّنت مُنية وصلها في خياله ، فمات الملك وصار المُلك إلى البنت ، فاطّلعت الملكة على أمر الشابّ ، وعلمت بأنّه من ذوي الأحساب والأنساب ، فظهر عليها حسن وجهه وهيئته ، فوقع في قلبها هوى محبّته ، فأرسلت إليه وأعلمته بذلك ، وأظهرت أنّ لك جارية قد شغف قلبك ودّها ، وتريد عقدها ، فعليك أن تخرج عن بالك ميلها ، وتمحو عن خيالك نيلها ، وتقنع بخدمتها ، وتكتفي برؤيتها ، وإنّما رخّصناك في ذلك ؛ لعدم مخالفتنا للملك ، فشقّ الأمر على الشابّ ، فما قال شيئا في الجواب ؛ إذ كان مقيّدا بحبّ الجارية ، فما طفئت بذلك هذه النائرة ، فلمّا انتبهت الملكة ، اشتعلت نار غيرتها ، وعلت شعلة سيرتها ، فكتبت إليه أن خلا عن شربة حبّها كأسك ، وإلّا ذهب في ذلك رأسك ، فزاد حُبّه وما نقص ؛ إذ الإنسان على ما مُنع

1.اُنظر بحارالأنوار، ج ۷۴، ص ۸۷ .

صفحه از 90