شرح حديث "إنّ الأرض على الحوت" - صفحه 469

و ذلك أنّ عمارة مادّة الدّنيا بما هي دنيا لاينتظم إلّا بالقلوب القاسية ؛ و ذلك كما تقرّر في محلّه ، و إنّ في تلك العمارة الحكمة بالغةً لايبلغ كُنهها عُقول العقلاء و فهوم العلماء و أوهام الحكماء ، و لا رخصة في الكشف عن سرّها .
و بالجُملة لقد قال تعالى : «يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجَارَةُ»۱ ، و ذلك القلب هو القلب المنكوس في صدور الّذين نكسوا على الرُّؤوس .
فعلى ما جرينا يكُون المُرادُ من «الثور» ، ثور ثَوَر ان النفس الشهوانيّة البهمُوتيّة الأمّارة بالسّوء و الفحشاء ، و طغيانها التي تبعثها على دعوى الرّئاسة و ادّعاء الأولوية بالخلافة و الولاية ، و قد تبعثها على دعوى الرّبُوبيّة .
فلعمر الحبيب إنه لحقيق بكونه ظلوما جهولاً ۲ ، و الظالم الظلوم الطّاغي ، و الجَهول الباغي ، و لحريٌّ به أن يضطرّ إلى المحاربة و إلى الكدّ المدافعة والممانعة و المقابلة ، فيكون قرن الثور الحربي هاهُنا القوة الغضبية و الآلة السّبعيّة الّتي بها يحاربُ ذلك الثّور الفحل الحربي البالغ في شهوة البهيمي ، و بها يذبّ عن دين الجهل ، و يجاهد و يدافع عن ملة الجَهلاء ، ملة طاغوت الأهواء ، بهموت الثرى .
و أمّا «الثرى» فهي طينة المعصية و الطغى ، و هي عكس فلك البروج الذي هو أرض جنة المأوى ، و معدن تراب طين الطاعة و التُّقى .
و أمّا «تحت الثرى» ـ و هو السرّ الذي يقوم بردّ غلبة الثرى ـ فقد ضلّ فيه فهومُ العلماء ، و ذلّ فيه فهوم العلماء ، و ذلّ فيه أوهام الحكماء ، و تزلزل عقول العقلاء ، و ذلك أنّه سرٌّ مستسرّ مقنّع بالسرّ من أسرار القدر والقضاء ، مكنون مخزونٌ عند خازن مخازن أسماء اللّه الحسنى ، ممنوع عن دركها العلماء ؛ كما قال اللّه تعالى حكايةً عن روحه المقدّس و كلمته العليا عيسى : «تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلَا أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ»۳ . و هذه

1.التحريم (۶۶): ۶ .

2.اقتباس من سورة الأحزاب (۳۳) ، الآية ۷۲ .

3.المائدة (۵): ۱۱۶ .

صفحه از 472