259
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

ومتّعهم متاعا هل من مناص ؟ وهو الملجأ والمفرّ ؛ يقالُ : ناصَ عن قِرْنه مناصا ، أيْ فَرّ وراوغ ، قال سبحانه : « وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ »۱ . والمحار : المرجع ، من حَارَ يحور أي رجع ، قال تعالى : « إنَّهُ ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ »۲ . ويؤفَكون : يقلَبون ، أفكَه يأفِكه عن كذا ، قلبه عنه إلى غيره ، ومثله « يُصْرَفون » . وقِيد قدّه : مقدار قدّه ، يقال : قرب منه قِيدَ رمح وقَادَ رُمْح ، والمراد هاهنا هو القبر ؛ لأ نّه بمقدار قامة الإنسان . والمُنْعفِرُ : الذي قد لامس العَفَر ، وهو التراب .
ثم قال عليه السلام : « الآن والخناق مُهْمَل » ؛ تقديره : اعملوا الآن وأنتم مخلَّوْنَ متمكّنون لم يعقد الحبل في أعناقهم ، ولم تقبَض أرواحكم . والرُّوح يُذكّر ويؤنث . والفَيْنة : الوقت ، ويروى « وفَيْنة الارتياد » ؛ وهو الطَّلب . وأَنفُ المشيّة : أول أوقات الإرادة والاختيار . قوله : « وانفساح الحَوْبة » ، أي سعة وقت الحاجة ، والحوْبَة : الحاجة والأرَب .
والغائب المنتظر ؛ هو الموت .

83

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام في ذكر عمرو بن العاصعَجَبا لاِبْنِ النَّابِغَةِ ! يَزْعَمُ لِأَهْلِ الشَّامِ أَنَّ فِيَّ دُعَابَةً ، وَأنـِّي امْرُؤٌ تِلْعَابَةٌ : أُعَافِسُ وَأُمَارِسُ ! لَقَدْ قَالَ بَاطِلاً ، وَنَطَقَ آثِما . أَمَا ـ وَشَرُّ الْقَوْلِ الْكَذِبُ ـ إِنَّهُ لَيَقُولُ فَيَكْذِبُ ، وَيَعِدُ فَيُخْلِفُ ، وَيُسْأَلُ فَيَبْخَلُ ، وَيَسْأَلُ فَيُلْحِفُ ، وَيَخُونُ الْعَهْدَ ، وَيَقْطَعُ الاْءِلَّ ؛ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْحَرْبِ فَأَيُّ زَاجِرٍ وَآمِرٍ هُوَ ! مَا لَمْ تَأْخُذِ السُّيُوفُ مَآخِذَهَا ، فَإِذَا كَانَ ذلِكَ كَانَ أَكْبَرُ مَكِيدَتِهِ أَنْ يَمْنَحَ القَوْمَ ۳ سُبَّتَهُ .

1.سورة ص ۳ .

2.سورة الانشقاق ۱۴ .

3.وفي نسخة محمد عبده ، وردت ( الْقَرْمَ ) ، وهو السيد المعظّم ، والسُبّة ـ بالضم ـ الأست . تقريع له بفعلته عندما نازل أمير المؤمنين فيى واقعة صفين ، فصال عليه وكاد يقتله ، فكشف عمرو عورته ، فصرف أمير المؤمنين بوجهه عنه وتركه .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
258

ثم قال : « إنّا باللّه عائذون » ؛ عُذْت بفلان واستعذت به ؛ أي التجأت إليه .

الأصْلُ :

۰.عِبَادَ اللّهِ، أَيْنَ الَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا، وَعُلِّمُوا فَفَهِمُوا ، وَأُنْظِرُوا فَلَهَوْا ، وَسَلِمُوا فَنَسُوا! أُمْهِلُوا طَوِيلاً ، وَمُنِحُوا جَمِيلاً ، وَحُذِّرُوا أَلِيما ، وَوُعِدُوا جَسِيما .
احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ ، وَالْعُيُوبَ الْمُسْخِطَةَ . أُولِي الْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ ، وَالْعَافِيَةِ وَالْمَتَاعِ ، هَلْ مِنْ مَنَاصٍ أَوْ خَلاَصٍ ، أَوْ مَعَاذٍ أَوْ مَلاَذٍ ، أَوْ فِرَارٍ أَوْ مَحَارٍ ! فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ! أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ ! أَمْ بِمَاذَا تَغْتَرُّونَ!
وَإِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ، ذَاتِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ ، قِيدُ قَدِّهِ ، مُتَعَفِّرا عَلَى خَدِّهِ .
الآنَ عِبَادَ اللّهِ وَالْخِنَاقُ مُهْمَلٌ ، وَالرُّوحُ مُرْسَلٌ ، فِي فَيْنَةِ الاْءِرْشَادِ ، وَرَاحَةِ الْأَجْسَادِ ، وَبَاحَةِ الاِحْتِشَادِ ، وَمَهَلِ الْبَقِيَّةِ ، وَأُنـُفِ الْمَشِيَّةِ ، وَإِنْظَارِ التَّوْبَةِ ، وَانْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ ، قَبْلَ الضَّنْكِ وَالْمَضِيقِ ، وَالرَّوْعِ وَالزُّهُوقِ ، وَقَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ الْمُنْتَظَرِ وَأخْذَةِ الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ .

قال الرضي رحمه الله :
وفي الخبرِ : أنَّهُ عليه السلام لَمَّا خطب بهذه الخُطبةِ اقشعرَّت لها الجلود ، وبكت العيونُ ، ورَجَفَت القلوبُ ، ومن النَّاسِ مَنْ يُسَمِّي هذه الخُطبةَ : الغَرَّاءَ .

الشّرْحُ :

نَعِم الرجل يَنْعَم ضِدّ قولك : « بَئس » ، وجاء شاذاً نَعِم ينعِم بالكسر . وأنظروا : أمهلوا . والذنوب المورّطة : التي تُلقِي أصحابَها في الورطة ؛ وهي الهلاك .
ثم قال عليه السلام : « أُولي الأبصار والأسماع » ، ناداهم نداء ثانيا بعد النداء الذي في أول الفصل ، وهو قوله : « عباد اللّه » ؛ فقال : يامَنْ منحهم اللّه أبصارا وأسماعا ، وأعطاهم عافية ،

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 89158
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي