665
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

193

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلاموَاللّهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنَّي ، وَلكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ . وَلَوْلاَ كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاس ، وَلكِنْ كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ ، فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ . وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَاللّهِ مَا أُسْتَغْفَلُ بالْمَكِيدَةِ ، وَلاَ أُسْتَغْمَزُ بالشَّدِيدَةِ .

الشّرْحُ :

الغُدَرَة ، على « فُعَلة » الكثير الغَدْر ، والفُجَرة والكُفَرة : الكثير الفجور والكفر ، وكلّ ما كان على هذا البناء فهو للفاعل ، فإن سكّنْت العين فهو للمفعول ، تقول : رجل ضُحَكة ، أي يَضْحك ، وضُحْكة يُضحَك منه ، وسُخَرة يَسْخر ، وسُخْرة يُسخَر به ، يقول عليه السلام : كلّ غادر فاجر ، وكلّ فاجر كافر . ويروى : « ولكن كلّ غَدْرة فجْرة ، وكلّ فَجْرة كَفْرة » على « فَعْلة » للمرة الواحدة .
وقوله : « لكلّ غادر لواء يعرَف به يوم القيامة » ، حديث صحيح مرويّ عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم . ثم أقسم عليه السلام أنه لا يُستغفَل بالمكيدة ، أي لا تجوز المكيدة عليّ ، كما تجوز على ذوي الغَفْلة ، وأنه لا يُستغمَز بالشديدة ، أي لا أهين وألين للخطب الشديد ۱ .

1.كتب ابن أبي الحديد في شرحه حوالي ۴۰ صفحة عن سياسة أمير المؤمنين عليه السلام وعدله وحكمته وإخلاصه وتضحيته وحقه ، وعن معاوية ونفاقه وظلمه وغدره وكذبه واحتياله وباطله . ونقل كلام شيخه أبي جعفر النقيب يحيى بن محمد (۶۱۳ ه) في معاوية وهو : « إن معاوية من أهلِ النار ، لا لمخالفته عليّاً ، ولا بمحاربته إيّاه ، ولكنّ عقيدته لم تكن صحيحة ، ولا إيمانَه حقاً ، وكان من رؤوس المنافقين هو وأبوه ، ولم يسلِمْ قلبُه قطّ ، وإنّما أسلم لسانه ؛ وكان يذكُر مِنْ حديث معاوية ومن فَلتات قوله ، وما حُفِظ عنه من كلامٍ يقتضي فساد العقيدة شيئاً كثيراً ، ليس هذا موضعَه فأذكره » . ومما أورده من كلام أبي عمرو الجاحظ (۲۵۵ ه) في سياسة معاوية ومكره قوله : « كان عليّ عليه السلام لا يستعملُ في حَرْبه إلاّ ما وافق الكِتاب والسنة ، وكان معاوية يستعمل خلافَ الكتاب والسنة ؛ كما يستعمل الكتاب والسنة ، ويستعمل جميعَ المكائد ، حلالها وحرامها ، ويسير في الحرب بسيرة ملكِ الهند إذا لاقى كِسْرى ، وخاقان إذا لاقى رُتْبِيل [ رتبيل : صاحب الترك ] . وعليّ عليه السلام يقول : لا تبدؤوهم بالقتال حتى يبدؤوكم ، ولا تُتبِعوا مدبراً ، ولا تُجهزوا على جريح ، ولا تفتحوا باباً مغلقاً ... الخ . فعليّ عليه السلام كان ملجَماً بالوَرَع عن جميع القول إلاّ ما هو للّه عزّوجلّ رضىً ، وممنوع اليدين من كلّ بطش إلاّ ما هو للّه رضىً ، ولا يَرى الرِّضا إلاّ فيما يرضاه اللّه ويحبّه ، ولا يرى الرّضا إلاّ فيما دلّ عليه الكتاب والسنة ، دون ما يعوِّل عليه أصحابُ الدّهاء والنكْراء والمكائد والآراء . فلمّا أبصرت العوامّ كثرة نوادر معاوية في المكائد ، وكثرة غرائبه في الخداع ، وما اتفق له وتهيّأ على يده ، ولم يروَ ذلك من عليّ عليه السلام ، ظنُّوا ـ بِقصَرِ عقولهم ، وقلة علومهم ـ أنّ ذلك من رجحانٍ عند معاوية ونقصانٍ عند عليّ عليه السلام . فانْظُر بعدَ هذا كله ، هل يعدّ له من الخدع إلاّ رفع المصاحف ؟! ثم انظر هل خَدَع بها إلاّ مَنْ عصى رأيَ عليٍّ عليه السلام ، وخالف أمره ؟! » . ثم إنّ ابن أبي الحديد خلص للقول : « إنّ أمير المؤمنين دُفِع ـ من اختلاف أصحابه ، وسوء طاعتهم له ؛ ولزومه سنَن الشريعة ، ومنهج العدل ، وخروج معاوية وعمرو بن العاص عن قاعدة الشّرع في استمالة الناس إليهم بالرّغبة والرّهبة ـ إلى ما لم يُدْفَع إليه غيره . فلولا أ نّه عليه السلام كان عارفاً بوجوه السّياسة وتدبير أمر السلطان والخلافة ، حاذقاً في ذلك ، لم يجتمع عليه إلاَّ القليل من النّاس ، وهم أهلُ الآخرة خاصة ؛ الذين لا ميْلَ لهم إلى الدنيا . فلمّا وجدناه دبّر الأمر حين وَلِيَه ؛ واجتمع عليه من العساكر والأتباع ما يتجاوز العدّ والحصر ، وقاتل بهم أعداءه الذين حالُهم حالهم ، فظفِر في أكثر حروبه ، ووقف الأمر بينه وبين معاوية على سواء ؛ وكان هو الأظهر والأقرب إلى الانتصار ، علمنا أ نّه من معرفة تدبير الدول والسلطان بمكان مكين » . راجع الأصل من هذا الشرح ۱۰ : ۲۱۲ ـ ۲۶۰ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
664

لِتَشْقَى » 1 . وروي : أنه عليه السلام قام حتى تورّمت قدماه مع التبشير له بالجنة . وروي : أنه قيل له في ذلك . فقال : « أفلا أكونُ عبداً شكوراً ! » .
ويُصبر نفسه : من الصبر ، ويروى : « ويَصْبر عليها نفسه » ، أي يحبس ، قال سبحانه : « واصْبِر نَفْسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ » 2 واعلم أنّ الصلاة قد جاء في فضلها الكثير الذي يُعجزنا حصره ، ولو لم يكن إلاّ ما ورد في الكتاب العزيز من تكرار ذكرها وتأكيد الوصاية بها والمحافظة عليها ، لكان بعضه كافيا ، وقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « الصلاة عمود الدين ، فمن تركها فقد هَدَم الدين » .
قوله عليه السلام : « قرباناً لأهل الإسلام » ، القربان : اسم لما يتقرّب به من نَسِيكة أو صدقة . وروى : « ومن النار حجازاً » بالزاي ، أي مانعاً . واللَّهف : الحسرة ، ينهى عليه السلام عن إخراج الزكاة مع التسخّط لإخراجها والتلهف والتحسّر على دفعها إلى أربابها ، ويقول : إنّ من يفعل ذلك يرجو بها نَيْل الثّواب ضالّ مضيِّع لماله ، غير ظافر بما رجاه من المثوبة . وقد جاء في فضل الزكاة الواجبة وفضل صدقة التطوّع الكثير جدا ، ولو لم يكن إلاّ أنّ اللّه تعالى قرنها بالصلاة في أكثر المواضع التي ذكر فيها الصلاة لكفى .
وروى بريدة الأسلميّ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قال : « ما حَبَس قومٌ الزّكاة إلاّ حبس اللّه عنهم القَطْر » .
قوله عليه السلام : « ثم أداء الأمانة » ، هي العقد الذي يلزم الوفاء به ، وأصحّ ما قيل في تفسير الآية أنّ الأمانة ثقيلة المحمل ؛ لأنّ حاملها معرّض لخطر عظيم ، فهي بالغة من الثقل وصعوبة المحمل ما لو أنّها عرضت على السماوات والأرض والجبال لامتنعت من حملها . فأمّا الإنسان فإنّه حمَلها وألزم القيام بها . وليس المراد بقولنا : إنها عرِضت على السماوات والأرض ، أي لو عرضت عليها وهي جمادات ، بل المراد تعظيم شأن الأمانة ، كما تقول : هذا الكلام لا يحمله الجبال . وقوله تعالى : « قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ » 3 . ومذهب العرب في هذا الباب وتوسّعها ومجازاتها مشهور شائع .

1.سورة طه ۲ .

2.سورة الكهف ۲۸ .

3.سورة فصلت ۱۱ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 89119
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي