المعارف الإلهيه (شرح حديث من عرف نفسه) - صفحه 29

ظاهره ، وحاصله : لو عرف ربّه لعرف نفسه انتهى . ثم استشهد لما أورده أوّلاً بقوله وإلى هذا أشار عليه السلام /9/ بما روي عنه . شعر :

كيفيّة النفس ليس المرء يدركهافكيف كيفيّة الجبّار في القدم
هو الذي أوجد الأشياء من عدمفكيف يدركه مستحدث النسم
انتهى .
يعني أن ليس في وسع الممكن المحدَث ووُجْده أن يقدر قدر الواجب القديم خلقه ، «وما قدروا اللّه حقّ قدره» ، ضرورة توقّفه على ضرب من المناسبة الحقيقيّة أو المجازية ليست ولا يكون بين الممكن المحدث والواجب القديم ، فكيف له الوصول إلى سرادقات عزّه لأنّه وماله يجوز عليه الفناء ، بل إنّه الفناء بذاته حين البقاء فضلاً عمّا له من الأحوال فلا يناسب بوجه ما ذلك المبدأ المتعال «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير» ، ومن هاهنا حذّر عباده بقوله : « وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤوفٌ بِالْعِبَادِ »۱ .
وقد بالغ فيه صلى الله عليه و آله وسلم على ما روي عنه أنّه قال : «كلّنا في ذات اللّه حمقى» ۲ ، «تفكّروا في آلاء اللّه ولا تتفكّروا في ذاته» ۳
هذا سبحان من لم يجعل لخلقه سبيلاً إلى معرفته إلاّ بالعجز عن معرفته .
وبالجملة لمّا كانت النفس قطرة من قطرات سحائب رحمته ، ورشحة من رشحات بحار رأفته يكون لامحةً بحراً لُجّيّاً ۴
لا ساحل لها ، فإذا اُحيلت تلك المعرفة الوجوبيّة الربوبيّة على معرفة جوهر نفسها فيتحيّر فيها بتراكم أمواج الفكرة وتلاطم أمواجها ، ومن هنا قيل : النفس بحرٌ لا ساحل له ، فأحالهم في المعرفة عليهم ، فلمّا دخلوا بحر معرفتهم غرقوا ، وما برحوا يقاسون أمواج البحر فكرةً وكشفاً إلى أن عرفوا

1.آل عمران : ۳۰ .

2.لم يوجد في مصدر .

3.بحار الأنوار ، ج۶۸ ، ص۳۲۲ ؛ مجمع الزوائد ، ج۱ ، ص۸۱ ؛ كنز العمال ، ج۳ ، ص۱۰۶ ؛ الدر المنثور ، ج۲ ، ص۱۱۰ .

4.لأنه قطرة منه بحرا عظيما . [فى الهامش] .

صفحه از 30