رسالة في « محمد بن أبي عمير » - صفحه 462

[ ترك الاستئناس بالناس والاستشهاد بالآيات في المقام ]

ويرشد إلى كون علاج الإنسان في ترك الاستئناس بالناس قوله سبحانه حكايةً عن داود ـ على نبيّنا وآله و عليه السلام : ـ « إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَـآءِ لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّــلِحَـتِ وَ قَلِيلٌ مَّا هُمْ »۱
حيث إنّ مقتضاه وصول الظلم إلى الشخص ممّن يعاشر معه ، فالتهارب عن الظلم يقتضي ترك المعاشرة مع الناس ، وقد قرّر سبحانه الفقرة المذكورة : «فَوَ رَبِّ السَّمَآءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُو لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ »۲ كيف لا ! والناس بواسطه سوء فطرهم مثل الديوك ، وكلّما تلاقى ديك مع ديك يتعارضان ، ويخرج كلٌّ منهما الآخَر ولو كان ملاقاتهما في . ۳
ومن ذلك أنّه يندر أن يجلس فردان من الإنسان في مجلس ولاينزجر كلٌّ منهما عن الآخَر .
والظاهر أنّ المقصود بالخلط هو الازدواج .
وربّما فسّره البيضاوي بالشركة في المال . ۴
وليس على ماينبغي ، كيف لا ! ومناسبة ذيل الآية مع صدرها إنّما تتأتّى [على] ماذكرناه . وعلى ما ذكره لايرتبط الذيل بالصدر .
ومع ذلك ينافي ذلك تفسيره الاُخوّة في الآية ۵ بالدين والصحبة ، وإن كان ظاهره الميل إلى الأوّل . ۶
ونظير الآية المذكورة قوله سبحانه في سورة البقرة : «قُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ»۷
وخطاباً لآدم وحوّاء ، كما يرشد إليه قوله سبحانه في سورة طه : « قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعَا »۸ ـ وجمع الضمير ؛ لأنّهما أصل جنس الإنس ، فكأنّهما الجنس كلّهم ، كما يظهر الميل إليه من البيضاوي ؛ لتقديمه على تفسير ضمير الجمع بآدم وحوّاء وذريّتهما ۹ ـ حيث إنّ النجاة من مضارّ العداوة منوطه ومربوطة بترك المعاشرة .
ويمكن الإشكال على ذلك بأنّ اللّه سبحانه لايأمر بعداوة أفراد الإنسان بعضهم لبعض .
لكن يمكن الذبّ : بأنّه يمكن أن يكون من باب الافتتان والابتلاء .
قال اللّه سبحانه في سورة البقرة : « وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْ ءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَ لِ وَ الْأَنفُسِ وَ الثَّمَرَ تِ » .۱۰
وفي سورة آل عمران : « لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوَ لِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذىً كَثِيرًا » .۱۱
وفي سورة المائدة : «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَ حِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآ ءَاتَـلـكُمْ » .۱۲
وفي سوره الأنعام : «وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآ ءَاتَـلـكُمْ» .۱۳
وفي سورة النحل : « وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنم بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَـثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَـنَكُمْ دَخَلاَم بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِىَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِى» .۱۴
وفي سورة الأنبياء : «وَ نَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ » .۱۵
وفي سورة الفرقان : « وَ جَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ » .۱۶
وفي سورة العنكبوت : «الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَ هُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكَـذِبِينَ » .۱۷
وفي سورة محمّد صلى الله عليه و آله : «وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَـهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّـبِرِينَ
وَ نَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ » .۱۸

وفي سورة الملك : «الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَيَوةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » .۱۹
ويمكن الذبّ أيضاً : بأنّ الأمر يختصّ بالهبوط ، والمعاداة تجري مجرى الحال ، أي : أمرهما بالهبوط في حال عداوة بعضهم بعضاً ، فالمراد أنّ ذرّيّتهما يُعادي بعضهم بعضاً .
بقي أنّ العلاّمة المجلسي قال في حاشية الكافي تعليقاً على الرواية المتقدّمة في باب منازعة ابن أبي عمير والحضرميّ ـ والظاهر أنّه بخطّه الشريف في حواشي الكافي المذكور ـ :والحقّ أنّ النزاع لفظّي ؛ إذ الإمام أولى بالنفس والمال من كلّ واحد ، لكن لايأخذ سوى الأشياء المخصوصة . ۲۰
وأنت خبير بأنّ مرجعه إلى تقديم قول الحضرميّ ؛ لأنّ ابن أبي عمير كان يدّعي الملكيّة الشرعيّة ، لا الأولويّة المذكورة .
ولايذهب عليك أنّ مايستفاد من الرواية المتقدّمة في جانب ابن أبي عمير لايوجب تقليل الوثوق إليه .

1.سورة ص (۳۸) : ۲۴ .

2.الذاريات (۵۱) : ۲۳ .

3.كذا في «ح» و «د» .

4.أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي) ۵ : ۱۷ .

5.سورة ص (۳۸) : ۲۳ .

6.أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير اليبضاوى) ۵ : ۱۷ .

7.البقرة (۲) : ۳۶ .

8.سورة طه (۲۰) :۱۲۳ .

9.أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي) ۱ : ۱۴۳ .

10.البقرة (۲) : ۱۵۵ .

11.آل عمران (۳) : ۱۸۶ .

12.المائدة (۵) : ۴۸ .

13.الأنعام (۶) : ۱۶۵ .

14.النحل (۱۶) : ۹۲ .

15.الأنبياء (۲۱) : ۳۵ .

16.الفرقان (۲۵) : ۲۰ .

17.العنكبوت (۲۹) : ۱ ـ ۳ .

18.محمّد (۴۷) : ۳۱ .

19.الملك (۶۷) : ۲ .

20.مرآة العقول ۴ : ۳۵۶ .

صفحه از 476